
شارك وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج السيد محمد سالم ولد مرزوك، في الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي المنعقد اليوم الأربعاء بالعاصمة البلجيكية بروكسل.ويهدف اللقاء الى استعراض وتقييم الشراكة بين القارتين وتعزيز التعاون في ميادين السلم والأمن، والتنمية المستدامة، والتكامل الاقتصادي.كما يرمي إلى مناقشة الآليات الكفيلة بتعزيز التنسيق المشترك، واستشراف آفاق جديدة للتعاون الاستراتيجي متعدد الأبعاد، تمهيداً لعقد القمة السابعة بين الجانبين، وذلك في ظل التحديات والتحوّلات على المستويين الإقليمي والدولي.
وخلال مداخلته التي تركزت حول موضوع الهجرة أوضح ولد مرزوك، أنها تعتبر موضوعًا بالغ الأهمية وذات أبعاد إنسانية، اقتصادية، وأمنية، حيث أصبحت من أبرز التحديات التي تواجه القارة الإفريقية، في ظل تطورات متسارعة وتحولات عميقة في المشهد الإقليمي والدولي.
وقال إن المعطيات والاحصائيات حول هذا الموضوع تشير إلى أن الهجرة في إفريقيا تشهد منذ عقدين تصاعدًا مستمرًا، إذ بلغ عدد المهاجرين الأفارقة 40 مليونًا، بزيادة قدرها 30% مقارنة بسنة 2010.
وأشار الوزير إلى ان المفارقة المهمة والتي غالبًا ما يتم التغافل عنها هي أن 80% من هؤلاء المهاجرين يظلون داخل القارة ينتقلون من بلد إلى آخر بحثًا عن فرص اقتصادية في مراكز مجاورة.
وبين أنه وفقًا لأحدث تقارير المنظمة الدولية للهجرة (2023). فإن القارة الافريقية لا تمثل سوى 14% من مجمل عدد المهاجرين على مستوى العالم، مقابل 41% من آسيا و24% من أوروبا، مبرزا أن دولا مثل جنوب إفريقيا، وساحل العاج، ونيجيريا تعتبر من أبرز وجهات الهجرة داخل القارة، مما يعكس مكانتها كمراكز اقتصادية ضمن أقاليمها. وقال إن مدينة "امبرة" الموريتانية، ومنذ عقد من الزمن وهي تستقبل ما بين 100 إلى 150 ألف لاجئ ، مبرزا أن سياسات الهجرة الإفريقية تهيمن عليها مقاربات أوروبية الطابع، تركز على الجوانب الأمنية خصوصًا في منطقة الساحل، دون اعتبار كافٍ لتاريخ طويل من التبادل والتنقل العابر للحدود في الصحراء الإفريقية.
وعبر عن ترحيبه بالجهود الأخيرة التي تبذلها المنظمة الدولية للهجرة لإعادة تصحيح السردية بشأن الهجرة، ودعوتها إلى توطين الدراسات والسياسات بما يعكس المصالح والتطلعات الإفريقية.وقال إن الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من مجمل حركة الهجرة، إلا أن تداعياتها الأمنية والسياسية على الدول الغربية كانت عميقة، حيث غذّت الخطابات الشعبوية والمعادية للأجانب، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لقيم الديمقراطية.واضاف ان الدول الإفريقية تقوم بدور كبير في ضبط هذه الهجرة، إذ تخصص موريتانيا على سبيل المثال حوالي 60% من مواردها الدفاعية والأمنية لمواجهة هذه الظاهرة.وقال إن السيطرة على الهجرة لا يمكن أن تكون فعالة دون معالجة جذورها المتمثلة في الفقر والبطالة وتغير المناخ وأعباء المديونية.
وفيما يتعلق بأسباب الهجرة وبعض التوقعات المستقبلية لها أوضح معالي وزير الشؤون الخارجية أن إفريقيا تعاني من فقدان هائل في الأراضي الزراعية الخصبة، إذ فقدت 60% منها خلال السبعين عامًا الماضية، بينما تضاعف عدد السكان 6 مرات. وقال إنه مع تغير المناخ والجفاف، تحدث توقعات من بينها تصاعد النزاعات على الموارد الطبيعية بين المزارعين والرعاة، أو بين السكان والحياة البرية.ومن ثم تحدث: - موجات هجرة غير نظامية قد تطال ما يصل إلى 700 مليون شخص عالميًا.* ازدياد حالات التطرف والتجنيد في الجماعات الإرهابية بسبب اليأس والبطالة.
وأبرز إنه من هذا المنطلق يجب على الدول المتقدمة، وعلى رأسها مجموعة السبع، تبني سياسات مرنة تعزز استصلاح الأراضي وتطوير الزراعة المحلية للمساهمة في استبقاء الشباب داخل مجتمعاتهم، وخلق فرص اقتصادية تحفظ كرامتهم وتحقق الاستقرار الاجتماعي.ونبه معالي الوزير الى أن استمرار نمط التبادل التجاري غير المتكافئ، الذي يقوم على تصدير المواد الخام من إفريقيا إلى الدول الصناعية، ثم إعادة استيرادها كمنتجات مصنعة، يدفع الشباب الإفريقي إلى تتبع مسار ثرواتهم، بحثًا عن فرص العمل في الخارج، مطالبا بالعمل على إعادة التوازن وخلق سلاسل قيمة محلية تُبقي المنافع داخل القارة.وبخصوص موضوع الحوكمة الوطنية للهجرة في موريتانيا، قال الوزير إنه في عام 2010، اعتمدت الحكومة الموريتانية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، استراتيجية وطنية للهجرة، متضمنة خطة عمل محكمة.
وقال إنه في هذا الصدد تم تعزيز الإطار القانوني الوطني، من خلال سن القانون رقم 2020-018، الذي عدل ووسع قانون 2010-021، لمكافحة تهريب المهاجرين وحماية حقوقهم.
وقد تميزت هذه النصوص بـالتوسع في نطاق التطبيق ليشمل الوقاية والتحقيق والحماية.و منح الحصانة القانونية للضحايا، خصوصًا الأطفال والفئات الهشة، و تشديد العقوبات، وتوضيح الظروف المشددة للعقوبات.وتعزيز التعاون الدولي، خاصة مع بلدان المنشأ والمنظمات الدولية.
وقال إن مختلف أوجه الهجرة في موريتانيا يتم تنظيمها من خلال منظومة من القوانين والمراسيم تعود إلى الستينات، وتشمل تنظيم الفيزا، ونظام الهجرة، والتأمين الاجتماعي، والدستور، وقوانين الأحوال الشخصية.واضاف أنه في مجال التعاون الإقليمي والدولي تشارك موريتانيا بفاعلية في الحوار الإقليمي حول الهجرة، كعضو في إطار "MIDWA"، الذي تديره المنظمة الدولية للهجرة. وكانت موريتانيا طرفًا في كافة المشاورات المتعلقة باعتماد الاتفاق العالمي للهجرة في ديسمبر 2018.
وعلى المستوى الثنائي، بين موريتانيا أبرمت عدة بروتوكولات مع دول الجوار مثل الجزائر، زمالي، والسنغال، لتنظيم تدفقات الهجرة، كما وقعت في مايو 2017 اتفاقية شراكة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، تعزز التعاون في مجالات عدة منها حرية تنقل الأشخاص، فضلًا عن عضويتها في اتحاد المغرب العربي، الذي يتيح تنقلًا ميسرًا بين الدول الأعضاء.
وابرز انه على الصعيد الدولي، وقعت موريتانيا إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين عام 2016، والاتفاق العالمي من أجل هجرة آمنة عام 2018، كما انضمت إلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في يناير 2007.
وفي ختام مداخلته أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج أن قضية الهجرة تتطلب مقاربة إنسانية شاملة، تنظر إلى المهاجر كإنسان له طموحات وتطلعات، وليس كرقم في إحصاء أو تهديد أمني، مطالبا بالاستثمار في الإنسان والعمل عل تحويل التحديات إلى فرص تنموية حقيقية في أوطاننا من أجل نجاح الدراسات التي نقوم بها في هذا المجال.
حضر اللقاء إلى جانب الوزير كل من سفير موريتانيا في بروكسل السيد محمد محمود ولد ابراهيم اخليل، والسفير مدير الاتصال والإعلام بوزارة الشؤون الخارجية السيد أحمد محمد الدوه، والقائم بالاعمال بالسفارة في بروكسل السيد التراد إسحاق، والقائم بالاعمال بمندوبية موريتانيا في أديس أبابا السيد محمدي عبد الرحمن آمة.