
مسجد أسس على التقوى من أول يومفي حضرة الجمعة الأولى في مسجد "انجامرة"
إنه الركن العتيق الذي كان عامراً بوجوه الطهر والورع، و طالما عرف المشائين إليه في الظلم ، و الذاكرين و المتبتلين ، و المتهجدين ، و الذين "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون" .
رحم الله أنفاسا مترعة بالإيمان عرفت فلزمت ، عرفتها أركان المسجد ، و رحم الله أصواتا رددت التكبير و التلاوة في هذا المكان ، فخشعت لها قلوب و عقول .
رحم الله علماء أجلاء علموا و عملوا و بثوا علومهم في صدور الرجال.
رحم الله العالم النحرير الشيخ الشيباني ولد محمد أحمد و العالم الجليل محمد المصطفى و كوكبة الرجال ، القراء و الفقهاء الأفذاذ الذي عمروا هذا المسجد بالصلاة و التلاوة و الذكر و قيام الليل ، من أمثال إدومو ، محمد الناجي"بليله" ، محمد حامد ، بابه ، محمدو ولد أخيار، عبدات ولد الطالب إميجن ، و غيرهم كثير..
اليوم تترد أصداء التكبير بين جدران المسجد ، في أول صلاة جمعة ، كأنها تبكي شوقا للذين رحلوا، و تستعيد ذكرى أولئك العباد الذين عمرت بهم الصفوف، وحفت بهم المحاريب، وزينت المجالس بعلمهم ووقارهم.
اليوم، تدفقت الخطى إلى المسجد ، كعادتها، خاشعة متلهفة، كأنها تستجيب لنداء قديم، نداء كان يسري مع نسيم الفجر و أنفاس الليل و لفح الظهيرة ، و كان الناس يبادرون للصلاة في المسجد ، الفتى اليافع و الشاب و الكهل ، و من يؤتى به يتهادى بين الرجلين ، و كان الحفاظ يتلون آي الذكر، والفقهاء يملؤون الأرجاء حكمة وذكراً.
نعم ، خطبة للجمعة في جامع "انجامرة" وسط العشير الذي طالما تعاطى المكارم و المعارف و حسن السجايا ، و في المكان الذي طالما سجدت الجباه على أرضيته .
القارئ و الفقيه الخامس ولد محمد أحمد يتقدم الجمع للصلاة ، و لا غرو فقد تقدمها أبوه العالم و القاضي أباه واد ودو في المسجد العتيق ذات يوم.
حمد الإمام الله و ثنى عليه، فاغرورقت العيون في مشهد يحفر أثره في القلوب، و أحس الناس و كأن الأرواح الغائبة حضرت ، و كأن ظلالهم امتزجت بصوت الخطيب، وكأن أنفاسهم تعبق في هواء المسجد الطاهر.
ما أعظمها من لحظة جسدت عظمة المسجد و مكانه و مكانته و رواده ، و جسدت جسر تواصل بين ماض مضمخ بكل ما هو عظيم ، و حاضر ورث الماضي بعظمته ،و زاد عليه بخوض غمار الحياة من قممها ،و جمع المعارف، حديثها و تليدها، من مصادرها ، فلم يخيب الحاضر ظن الماضي ، و تواصلت المهمة النبيلة التي أخذها العشير الكريم على عاتقه من فضل و تميز و كرم و أصالة و عمق ..
و ها قد صدق الرجاء أن يظل بيت الله عامراً بذكر الله كما كان ، ما بقي في الأرض مؤمن يحن إلى الجماعة والقرآن و الصلاة في جوف الليل و التعليم و الوعظ و التدبر ..
بقلم الاستاذ : إسلمو ولد أحمد سالم