
إلى معالي وزيرة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي،
تحية تقدير واحترام،
نتوجه إليكم بهذه الرسالة في لحظة دقيقة يمر بها التعليم في موريتانيا، تتطلب نقاشًا وطنيًا شفافًا، وإصلاحات عميقة تستند إلى الوقائع لا إلى الانطباعات.
فمع كل موسم دراسي، تتجدد الأسئلة المؤرقة: ما جدوى هذه الامتحانات؟
لماذا يُقصى فيها آلاف الطلاب ويخرجون منها منكسرين؟
ولماذا بات النجاح فيها أقرب إلى استثناء، لا يُحرزه إلا من أتقن التكيّف مع الظروف، لا من جدّ واجتهد في التحصيل؟
تشير نسب النجاح المتدنية في البكالوريا، التي تتراوح غالبًا بين 10% و20%، إلى خلل عميق يستدعي مراجعة شاملة، لا في الأرقام فحسب، بل في فلسفة الامتحان، ومصداقية التقييم، وبيئة التعليم ككل.
أولًا: منظومة الامتحانات…
من التقييم إلى الترهيبتحوّلت البكالوريا من محطة لتقييم القدرات إلىتجربة نفسية مرهقة تنقصها الثقة والاحترام.
ومن أبرز الإشكالات:
• إجراءات تفتيش جسدي مبالغ فيها، تصل أحيانًا إلى انتهاك صارخ لكرامة الطالب دون مبرر تربوي واضح.
• سلوكيات داخل القاعات تمس بالإنصاف، مثل تمزيق المسودات أو رفض الإجابات دون توضيح.
• ثقافة تشكيك ممنهجة، حيث يُتهم المركز ذو النسبة الأعلى بالغش، ويُشاد بالمركز الخالي من الناجحين باعتباره نزيهًا!
• اختزال الذكاء في الحفظ والتلقين، بدل تعزيز الفهم والتحليل.ونسأل هنا بكل وضوح:ماذا لو طُبّقت هذه الأساليب المهينة على كبار المسؤولين قبل دخولهم اجتماعات مجلس الوزراء؟
هل سيكون أداؤهم كما هو؟
إذا كان الجواب لا، فلماذا نُخضع أبناءنا لهذا الضغط النفسي، ثم نلومهم على تراجع الأداء؟
ثانيًا: آثار تتجاوز الثانوية إلى الجامعة وسوق العمل
• في الجامعة: تُستهلك السنوات الأولى في تصحيح خلل تراكمي بدل البناء على أسس معرفية راسخة.
• في سوق العمل: تتفاقم البطالة، مع تقديرات تشير إلى أن 35% من خريجي التعليم العالي عاطلون.
• في المجتمع: يتفشى الإحباط، وتتزايد معدلات الهجرة غير النظامية والتطرف والانحراف.
ثالثًا: الفجوة الإقليمية المقلقة بينما تصل نسب النجاح في المغرب إلى أكثر من 70%، وفي السنغال إلى حوالي 60%، تبقى نسب النجاح في موريتانيا من 10 إلى 20 وهو، ما يتطلب وقفة جادة مع المنهج، والإدارة، وآليات التقييم، قبل الوقوف عند الأرقام.
رابعًا: إصلاحات عاجلة مقترحة
1. إعادة الاعتبار لكرامة الطالب:
• التحول من التفتيش الجسدي إلى مراقبة ذكية لا تمس بالكرامة.
• اعتماد أسلوب تربوي في التعامل داخل القاعات، بعيدًا عن البوليسية.ملاحظة: لسنا ضد ضبط الامتحانات، بل ندعو إلى تطوير أدواته بما يحقق الانضباط دون إهانة. 2. إصلاح نظام التقييم:
• تبني تقييم تراكمي يدمج بين البحوث، المشاريع، والامتحانات الفصلية.
• منح قيمة للجهد المستمر، وليس فقط لنتيجة امتحان واحد.
3. تجديد المناهج:
• إدخال مهارات التفكير النقدي، ريادة الأعمال، البرمجة، والاقتصاد الرقمي.
• مواءمة المناهج مع حاجات سوق العمل الوطني.
4. دعم الصحة النفسية للطلاب:
• توفير مرشدين نفسيين مؤهلين داخل المدارس.
• تخفيف الضغط الموسمي وتوزيعه على مدار السنة الدراسية.
5. إطلاق مشروع وطني شامل:
• تشكيل لجنة وطنية طارئة لإصلاح التعليم تحت إشراف الرئاسة.
• إعداد رؤية تعليمية وطنية مستلهمة من تجارب ناجحة (مثل سنغافورة ورواندا)، تراعي خصوصية موريتانيا.
خامسًا: مسؤولية تاريخية مشتركةمعالي الوزيرة،لسنا في مقام اتهام بل في مقام مصارحة.ربما لم تكونوا أنتم من بدأ الأزمة، لكن لديكم اليوم فرصة تاريخية لتصحيح المسار.الصمت عن الإهانة، أو التردد في الإصلاح، يُفقد المنظومة معناها، ويُعمّق الفجوة بين التعليم والحياة.
لقد أصبحت المعادلة مؤلمة:المجتهد يُقصى، والمزوِّر يُكافأ.وإن لم نُعد الاعتبار للعدالة داخل القاعة، نكون بذلك قد شرّعنا للإهانة، وأقصينا الكفاءة، وفتحنا الباب للفراغ.
سادسًا: تحديات الاستيعاب وحلول مقترحةندرك أن من أسباب انخفاض نسب النجاح هو محدودية القدرة الاستيعابية للجامعات الوطنية، لذا نقترح:
• الانفتاح على الابتعاث الخارجي بالتعاون مع دول صديقة.
• ضبط نتائج التصحيح لتمكين الناجحين في الباكلوريا من ولوج التخصصات الحيوية وفق معايير صارمة، كشرط 80/100 في الجامعات الأجنبية .
• تشجيع التخصصات الاستراتيجية في التكنولوجيا، الطاقة، الزراعة، وغيرها من القطاعات ذات الأولوية.ختامًا: نداء من قلب الوطن“الوطن الذي يُهين أبناءه في قاعات الامتحان، سيفقدهم حتمًا في غرف اليأس، أو على قوارب الموت.”
نناشدكم، باسم أبناء هذا الوطن، أن تعلنوا حالة طوارئ تعليمية وطنية، وأن تُخصصوا للتعليم ما يستحقه من عناية وميزانية.نثق في وطنيتكم، وفي حكمتكم،ونتطلع لتفاعلكم الجاد والمسؤول.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
محمد الأمين / محمد الماحي النحوي
نسخة إلى :فخامة رئيس الجمهورية، معالي الوزير الأول،رئيس المجلس الأعلى للتهذيب