
على مهل مداعبة التيدينيت، لنفوس، طفحت حبا لمدللة الصحراء الكبرى، موطن فاتحي الأندلس ومنقذي الحضارة؛ رافقت ألحان المغفور له، الجوق الوطني، الاحتفاء بنخب التأسيس، في استحضار لعزف أغاني الاستقلال والوحدة، بعد أن استلت حكمة ثامن رئيس، من مفردات الوفاء، جميل العرفان لمؤسس الجمهورية الإسلامية الموريتانية. بعد ستة عقود ونصف من بغيض الصمت ومقرف الصراخ.
في مشهد مهيب : انبرت عمائم الوجاهة و تدافع حماس الشباب و صدق النساء، خلف جدية النخب، مفرجا عن وقار الأمة الموريتانية، المحتضنة، بما يليق، لبطولات التأسيس وانتصارات الدولة والشعب على أرض الآباء والأجداد.
وفق فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في إخراج قلوب الوطن و عقول الجمهورية ووجوه التأسيس من مخابئ التهميش والإزدراء إلى أضواء الاعتراف بالجميل في واجهة موريتانيا الدبلوماسية والفكرية، ليعلنها بيتا للحكمة ويافطة لجيل ضحى من أجل الوطن الموريتاني.
باسم رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، في رابع أيام يوليو من العام خمسة وعشرين بعد إحدى وعشرين قرنا من ميلاد المسيح عليه السلام، أزاح خريج معهد أبي تلميت و أعرق الجامعات البلجيكية، الستار عن اللوحة التذكارية لإطلاق اسم أول رئيس لموريتانيا على أول قصر دولي للمؤتمرات. أنطق نجل الرئيس المؤسس، متأثرا بعظمة الحدث، حبور الانتماء وكامل الامتنان لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.
بعد مضي عقدين ونصف على مغادرته السلطة، نشر في أول أيام ثالث رمضان من القرن الحادي والعشرين، شهادة ثمينة روت في ستمائة وأربعين صفحة، بدقة وتفصيل، عبر أسلوب أدبي رفيع، رحلة التأسيس، في أول مساهمة موضوعية من "الرجل المحترم"، كما يصفه الإعلام الفرنسي المناوئ، في توثيق التاريخ السياسي للدولة والشعب بموريتانيا. كتب المذكرات بخط يمينه في دفاتر عتيقة على صفحات صفراء بحبر أزرق، لا زالت أسرته تحتفظ بها، بعد طباعتها في منتصف تسعينيات القرن العشرين، ليتسنى تنقيحها وتسليمها لاحقا للناشر. رغم وفاء المحيطين به و مستوياتهم المعرفية العالية، لم يقطع حضورهم لحظة واحدة، خلوته بمكتب بيته في حي " لا مادلين"، المجهز حصريا بخشب وجلود وأواني شنقيط، والذي مكث فيه قارئا وكاتبا بجلد، ومصليا بخشوع أخذ زينته من دمعة لم تبرح عيونه خارج صلته بخالقه.
احتل أبو الأمة الرئيس المختار ولد داداه، حيزا كبيرا من ذاكرة نضالات شعوب العالم العربي وإفريقيا، ولازالت الأجيال تذكر أدواره التاريخية في معارك اعتراض المد الصهيوني وتبني دول القارة لدعم القضية الفلسطينية، فضلا عن المشاركة النشطة في تأسيس الاتحاد الإفريقي ودعم حركات التحرر ومناهضة الآبرتايد.
اعتبر الرئيس السنغالي باسيرو جوماي افاي في تصريح خص به صحيفة Le Monde الفرنسية بيوم واحد قبل انتخابه، أسلوب أول رئيس لموريتانيا ذ/ المختار داداه، في التعاطي مع الاتفاقيات الموروثة عن الاستعمار، مرجعية أرست آليات استكمال السيادة المنقوصة، وأشاد بالخيارات الاستراتيجية لموريتانيا بإلغاء الاتفاق العسكري مع فرنسا ومراجعة بقية اتفاقيات التعاون وإنشاء عملة وطنية.
في مطلع سبعينيات القرن العشرين، أقدم الرئيس المختار ولد داداه على إلغاء اتفاقية للتعاون العسكري كانت تربط بلاده بالمستعمر السابق، الذي رضخ لقرار موريتانيا بعد عام من التردد والضغوط.
مكن القرار الصعب والضروري في الوقت ذاته، من إنشاء جيش وطني، يتكون من أبناء البلد مع توفير التكوين لهم في كبريات الأكادميات العسكرية بفرنسا وعبر العالم، وإعفاء مظاهر الحظوة التي كان يتمتع بها ضباط فرنسا وأعوانهم من المستعمرات.
شملت المراجعة التي أجراها الرئيس الراحل المختار ولد داداه، إلغاء اتفاقيات الدفاع والمساعدة الفنية العسكرية وتلك المتعلقة بالتعاون الثقافي والبريد والمواصلات والطيران المدني والبحرية التجارية، وتعديل اتفاقية التعاون الفني في مجال الموظفين، و الخروج من منطقة الفرنك الغرب إفريقي و إنشاء عملة وطنية، مما يعني ضمان سيطرة موريتانيا على سياستها الائتمانية، وإبرام اتفاقيات التعاون الفني لتدريب القيادات العسكرية والمدنية، إضافة إلى معادلة الشهادات.
كان طاقم قصر المؤتمرات الدولي: المختار ولد داداه، على مستوى التجسيد الملحمي لإرادة فخامة رئيس الجمهورية و العناية الفائقة بذاكرة الرئيس المؤسس.
هنيئا لموريتانيا قطف ورود ربيع العزة والكرامة.
عبدالله حرمة الله