نداء لتأسيس حلف إسلامي

ثلاثاء, 2025-07-29 01:36

إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، قادة الدول العربية والإسلامية، 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

هذه ليست مجرد رسالة من كاتبها، وإنما هي صرخة من شعوبكم، جاءت على لساني.بدءا اسمحوا لي، أيها القادة، أن افتتح هذا النداء بكلمة من خطاب قوي ومؤثر،  لست بحاجة لأن أذكر لكم صاحبه، خطاب لابد أنكم سمعتموه، وقد تردد صداه في آذان مئات الملايين من أبناء أمتنا، وحمَّلكم صاحبه - وهو محق في ذلك - مسؤولية ما يجري في غزة من قتل وتجويع، وذلك عندما قال: "رقاب قادة الأمة الإسلامية والعربية ونخبها وعلمائها مثقلة بدماء عشرات آلاف الأبرياء ممن خذلوا بصمتهم."

ثم اسمحوا لي  كذلك أن أذكركم - ولعلَّ الذكرى تكون مما ينفع القادة -  بإحدى نتائج قممكم "الاستثنائية"، وما أصدرتم فيها من قرارات فورية، ولكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة فورية.ففي يوم السبت 11 نوفمبر 2023، اجتمعتم ـ مشكورين ـ في الرياض، في قمة عربية إسلامية استثنائية، وصدر عن قمتكم قرارٌ "تاريخي" من ثمانية بنود، ولا أدري لماذا سميتموه قرارا بدلا من بيان، وقد تكررت في هذا القرار كلمة "فوري" بمختلف صياغاتها ومشتقاتها في نقاطه الثمانية، والتي جاء فيها بالحرف الواحد:

1 ـ كسر الحصار عن غزة وفرض ادخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل "فوري"؛

2 ـ دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل" فوري" ومستدام وكاف؛

3 ـ مطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار "فوري" يدين تدمير إسرائيل الهمجي للمستشفيات في قطاع غزة؛

 4 ـ ضرورة أن يفرض القرار على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، التزام القوانين الدولية والغاء اجراءاتها الوحشية اللاإنسانية هذه بشكل "فوري"؛ 5 ـ بدء تحرك دولي "فوري" باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة؛  

6 ـ التأكيد على ضرورة العودة "الفورية" لهؤلاء النازحين إلى بيوتهم ومناطقهم؛ 

7 ـ التأكيد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات "فورية" وسريعة لوقف قتل المدنيين الفلسطينيين واستهدافهم؛  

8 ـ التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي "فوريا" لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على اساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. 

والآن دعوني أطرح عليكم السؤال: هل تحققت نقطة واحدة من هذه النقاط الفورية الثمانية، أم أن الأمور قد زادت سوءا في كل نقطة أثرتموها في قرار قمتكم الاستثنائية؟

سأترك لكم الإجابة، وسأترك لشعوبكم أن تقارن بين ما وعدتم به في تلك القمة، وواقع أهلنا في غزة في أيام الخذلان العربي والإسلامي هذه، والتي أصبح الحصار فيها أشد، والمجازر أبشع، والتواطؤ أوضح، والخذلان أوسع.

أيها القادة العرب والمسلمون،إن  الكثير من شعوبكم العربية والإسلامية لم يعد ينتظر منكم موقفًا حاسما مهما بلغ حجم الإبادة، ولا يراهن عليكم لكسر الحصار مهما اشتد الجوع، وإنما يُراهن - إن كان لابد له من أن يراهن - على قادة آخرين من جنوب إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وربما من بعض الدول الأوروبية.ألا يؤلمكم أن رهان شعوبكم على مواقف قادة من خارج العالم العربي والإسلامي أقوى من رهانها على مواقفكم، مع أن القضية تتعلق بحصار وإبادة شعب عربي ومسلم، وبتدنيس ثاني القبلتين؟

هذا سؤال ثانٍ لن أجيب عليه، وسأترك لكم الإجابة عليه.في المقابل، هناك سؤالٌ ثالثٌ سأحاول الإجابة عليه، نيابة عنكم، ويقول هذا السؤال هل من مخرج من واقع الهوان الذي نتخبط فيه اليوم عربا ومسلمين؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد وأن نُذَكِّر  أولا بأننا في بلاد العرب والمسلمين جرّبنا نظامَ عالم القطبين من قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم جرّبنا بعد ذلك نظام عالم القطب الواحد، وفي كلا الحالتين كنا هم الخاسر الأكبر، ففي نظام القطبين وجَّه سلف بعضكم وجهه شطر الاتحاد السوفيتي، فخذله الاتحاد السوفيتي في ساعة الضيق والعسرة، فعلم أن هذا البلد لا يمكن أن يُعَول عليه في أوقات الشدة، ولكم أن تسألوا مصر والعراق وسوريا وليبيا وإيران في حرب الاثني عشر يوما، ووجَّه سلف أكثرِكم وجهه شطر الولايات المتحدة، فعلم، وفي أكثر من مناسبة، بأن أمريكا لن تترد في أي لحظة بالتضحية بمصالحها مع كل العرب والمسلمين، قادة وشعوبا، في سبيل إرضاء دويلة الكيان الصهيوني، وفرض استمرار سيطرتها، وبقائها هي سيد المنطقة تبطش فيها متى شاءت وكيفما شاءت. ولقد تجلت هذه الحقيقة أكثر مع عودة دونالد ترامب إلى الحكم في مأمورية ثانية.

إن فقدان الثقة لدى الشعوب العربية والإسلامية لا يتوقف عند القادة، بل إنه يمتد ليشمل كل المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية والدولية القائمة، فلا أمل يرجى من الجامعة العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، فهذه منظمات أصبحت في عداد الأموات، ولا أمل يرجى كذلك من الأمم المتحدة وكل الهيئات التابعة لها، فهذه المنظمة الدولية فضحتها حرب الإبادة في غزة، فكشفت عن شللها البين وعجزها الفاضح.

وبالعودة إلى النظام العالمي، والذي لابد أن يتشكل من جديد بعد انتهاء صلاحية وفعالية الهيئات الدولية التي قام عليها في الماضي،  فالراجح أن هذا العالم لن يكون عالم قطب واحد، ولا عالم قطبين، وإنما سيكون عالما متعدد الأقطاب، وهو ما يلزمنا عربا ومسلمين أن نعمل على تأسيس قطب أو حلف إسلامي خاص بنا، يدافع عن مصالحنا ويحميها.

ومن المؤكد أن الدول العربية والإسلامية تمتلك كل المقومات لتُشَكل قطبا عالميا قويا قادرا على الدفاع عن مصالح العرب والمسلمين في العالم، فمن الناحية العسكرية، هناك باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا، وهناك إيران التي أثبتت مؤخرا أنها قادرة على مواجهة الكيان المغتصب بمفردها، وهناك دول أخرى لها قوتها العسكرية  المعتبرة،  ومن الناحية الاقتصادية فهناك العديد من الدول العربية والإسلامية التي تمتلك اقتصادا قويا، وموارد مالية هائلة.

نعم لقد بات من الملح جدا التفكير في تأسيس حلف إسلامي قوي تنخرط فيه الدول الإسلامية، ويمكن أن تتشكل نواته الأولى من السعودية وباكستان وإيران وتركيا ومصر، لتشمل بعد ذلك بقية الدول الإسلامية، فبحلف كهذا سيكون بإمكاننا أن نحرر فلسطين، وبحلف كهذا سيكون بإمكاننا أن نحل مشاكلنا دون الحاجة للاستجداء بالآخرين، وبحلف كهذا سنحمي قيمنا الإسلامية من علمنة القيم التي يقف خلفها الغرب المسيحي، ولتشكيل نواة هذا الحلف فلا بد للدول المؤسسة لتلك النواة من أن تتخذ بعض الخطوات والإجراءات التمهيدية المطمئنة:

1 ـ أن تعتذر الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن تدخلاتها السابقة في بعض الدول العربية، وأن تلتزم التزاما صريحا وقويا بالتخلي نهائيا عن أي وصاية على الشيعة خارج حدودها، وأن لا تعمل مستقبلا ـ تحت أي ظرف ـ على تحريك الشيعة في بعض البلدان العربية والإسلامية لتحقيق المزيد من المصالح والنفوذ خارج حدودها على حساب دول عربية إسلامية أخرى؛

2 ـ أن تُوقِف المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج منح الأموال الضخمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فليس من الحكمة وضع كل البيض في سلة واحدة، وخاصة إذا كان صاحب تلك السلة هو الرئيس ترامب المعروف بتقلب مزاجه،  على أن توجه تلك الأموال للتعزيز من مكانة الحلف الإسلامي المنتظر، أو توجه لدعم بعض الدول الإسلامية المحتاجة؛

3 ـ أن تقطع مصر وتركيا ـ وبشكل فوري ـ علاقاتهما الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، وتفتح مصر حدودها لكسر الحصار.هذا مجرد مقترح أقدمه للقادة العرب والمسلمين، وأعلم مسبقا أن الغالبية من الشعوب العربية والإسلامية تعتبر كتابة مثل هذا المقترح مجرد تضييع للوقت والجهد فيما لا طائل من ورائه، فهذه الشعوب لم تعد تتوقع من قادتها أي عمل جدي لصالح فلسطين أو لصالح بلاد العرب والمسلمين.

نعم لقد وصل اليأس إلى هذا المستوى بل أكثر، ومع ذلك أرجو أن يجد هذا المقترح آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وعقولا راجحة، تؤمن بضرورة العمل به.

مع كل التقدير والاحترام لكل القادة العرب والمسلمين

كتبه محمد الأمين الفاضل (مواطن من موريتانيا)

حفظ الله الأمة العربية و الإسلامية...