هل نبشت أزمة مياه الشرب في براثن الجحود؟!!

ثلاثاء, 2025-08-05 15:28
د. سيداتي سيد الخير

يبدو أن بلادنا دخلت فعلا منعطفا جديدا، بل مرحلة مختلفة من تاريخها التنموي الحافل بالتموجات، مرحلة أهم ما يميزها من الناحية الابستمولوجية هو ارتفاع سقف الطموحات الناجم عن الطفرة التي حصلت في المنجز منذ ست سنوات، من خلال تبني مقولات ذات معجم أكثر تناغما مع التنمية الشاملة وأخواتها.

لا أريد هنا أن أسهب في تعداد ما تحقق خلال هذه الفترة من إنجازات على أصعدة شتى لأنني لا أستطيع ذلك، ولكن الانتقال إلى الأحسن وتضميد أهم الجراحات التنموية الهيكلية وتلافي أبرز المخاطر المحتملة والنواقص التي طالما تآلف معها المواطنون قبل حكم غزواني، بقدر ما أريد الإشارة إلى انبعاث الطموح والأمل الذي ولدته جسارة الرئيس على إثارة قضايا اجتماعية كانت تمثل تابوهات، وما تلا ذاك وواكبه من إصلاحات جذرية، قد تأخذ بعض الوقت من خلال تنفيذ مشاريع طموحة، وأحيانا عملاقة، وأخرى مؤقتة تنفذ سريعا، فرضتها وضعية الهشاشة الموروثة والمزعجة، والتي لا تحتمل التأجيل ولا التراخي في بعض جوانبها...كلها أمور جعلت الحديث عن نجاحات كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية والأمنية، حديث له صولة لا يمكن الوقوف في وجهها، مهما كان حنق بعض المعارضين وتبرم جزء من "الموالين".

إن مقارنة وضعية ومكانة البلد بصفة عامة والمواطنين بصفة خاصة خلال المرحلة الحالية والمراحل التي سبقتها ستجعل بعض المتتبعين في ورطة منهجية حقيقية، خاصة حين يتعلق الأمر ببعض المعارضين الذي يتصيدون النواقص فقط، وكذلك بعض الموالين الذين لا يعنيهم سوى ما تتلقفه جيوبهم في رحلة الانتجاع صوب الكسب وما تولده من آراء يعبرون عنها تجليا أو خفاء.

فالجميع يعرف أن فكرة بناء شبكة طرقية أكثر حداثة خاصة في مدينة نواكشوط، ضمن رؤية متكاملة لعصرنةالمدية ستصطدم ببعض المعوقات ذات الصلة بعقلية الساكنة ووعيها الحضري، والمتعلقة بالمساس بمصالحبعض المستفيدين من شيوع الفوضى وزئبقية المشهد، من الذين تسنموا المشهد الاقتصادي والاجتماعي دون مؤهلات منطقية ومبررة أخلاقيا لمكتسابتهم فامتهنوا الشائعات وبذلوا وصرفوا من مال الله الذي آتاهم كي تطمس الحقائق وتتجافى الأذواق والتصورات نحو ما يصب في مصالحهم ويعزز ترسانة "اتبتيب". 

إنني لا أريد محاولة تبرير انقطاع "عصب الحياة" عن مدينة يسكنها أكثر من ثلث مواطنينا، بقدر ما أود التنبيه إلى أن هذا الحدث سلط الضوء وبطريقة قوية على مستوى الإنجازات التي تحققت وما واكبها من شعور لدى المواطن الموريتاني بتحسن وضعيته واعتياده على الاهتمام بظروفه، حتى أصبح لا يطيق انقطاع الخدمات  ولا يحتمل تأخرها ولا يساوم على النواقص المحتملة في تنفيذ المشاريع، بل ويرفض كل أنواع الظلم ولا يرضى بديلا عن تطبيق القانون، ويشجب التسلط على الضعفاء ورعونة المستخدَمين العموميين في تعاطيهم مع المواطنين، ولا يطيق نقص الأدوية في المخازن، ويزعجه تقصير الأطباء ومؤسسات الرعاية الصحية، ويغضبه تعرض مواطن للمضايقة في دولة أجنبية، وتثير حفيظته أخبار واردة عن تأخر بناء مدرسة أو مستشفى أو طريق معبد...

لقد كشفت هذه الأزمة عن أزمة أخرى قد لا تقل خطورة وهي محاولة طمر المنجز والتغاضي عنه وإنكاره، الذي لا يسهم ، بأي حال من الأحوال، في تأسيس عقلية وطنية إيجابية وحساسة تقوم على نقد وانتقاد النواقص والإشادة بالإنجزازات والإيجابيات بطريقة أقرب إلى المصداقية والإنصاف، بعيدا عن ثقافة التسميم والتشكيك والاقتيات على خلق الاستقطابات والترويج للعدمية وسيادة اللاشيء.

فأين كانت الأقلام والألسنة الحداد يوم نجح الرئيس في قيادة الاتحاد الإفريقي وبحضور قوي ومشرف؟! وأين كانوا يوم نافست موريتانيا على أهم المناصب في القارة وكسبت الرهان؟! هل أصابهم الخرس عندما لم يتحدثوا عن التآزر وما حل من مشكلات اجتماعية؟! كيف لم تحدثوا عن بناء ثلاثة جسور في ست سنوات قبلها ستون سنة لم يبنى فيها جسر واحد؟! وهل تخرسهم الإنجازات وينطقهم النواقص؟! عن أي عقل نتحدث وما موضوعية رسائلهم ومصداقيتها؟!.

 

د. سيداتي سيد الخير