هي وزارة التجهيز والنقل ما " اتراعي فَلٌحوادث"؟!

جمعة, 2025-08-15 09:47

لقد اخترتُ العنوان بهذه الصيغة بالذات، للفت الانتباه إلى مقالي هذا الذي يتحدث عن خلل بيِّن في مجال السلامة الطرقية، طالما نبهنا عليه، ولكن دون جدوى.

إن غياب أي جهة رسمية أو شبه رسمية تنشر أخبار حوادث السير، وتقدم تفاصيلها الدقيقة للرأي العام الوطني لم يعد أمرا مقبولا، وإذا كانت الجهات الرسمية لا ترغب في الوقت الحالي في نشر تلك الأخبار، فما عليها إلا أن تزودنا في حملة معا للحد من حوادث السير بأخبار الحوادث وتفاصيلها بانتظام لنتولى عنها النشر، ولدينا في الحملة صفحة نشطة في مواقع التواصل الاجتماعي تُحاول دائما أن تنشر أخبار الحوادث، ولكن مشكلتنا في الصفحة هي أن "الشهود العيان" قد يزودوننا في كثير من الأحيان بمعلومات غير دقيقة أو غير مكتملة، مما يوقعنا في إشكاليات عديدة.

وهذا بالضبط هو ما حصل معنا، يوم أمس الخميس 14 أغسطس 2025، بخصوص عدد الوفيات في أحد حوادث السير التي نشرنا عنها  في ذلك اليوم.

أذكر أنه مع ظهور جائحة كورونا، عشنا تضاربا كبيرا في الأرقام، ولم يتوقف ذلك التضارب في الأرقام إلا بعد أن قررت وزارة الصحة أن تنظم  مؤتمرا صحفيا كل يوم، تقدّم من خلاله آخر المستجدات عن الإصابات بكورونا في بلادنا، فأصبحت جميع المصادر الإعلامية تنقل الأخبار من وزارة الصحة.

ونفس الشيء حصل مع أخبار الجرائم، حيث كان هناك تضارب كبير  في أخبار الجرائم، بل وتضخيم لها في كثير من الأحيان، ولم يتوقف ذلك إلا بعد أن أطلقت إدارة الأمن الوطني صفحة على الفيسبوك، تنشر فيها أخبار الجرائم، وتفنّد ما قد يتم تداوله من إشاعات بين الناس، قد تثير المخاوف وتحدث قلقا لدى المواطنين.

الأمر ذاته يمكن أن نقوله عن ضحايا الأمطار والعواصف، حيث تنشر اللجنة الفنية التابعة للجنة الوزارية المكلفة بتسيير الأزمات والطوارئ تقاريرها عن الأضرار البشرية والمادية بانتظام.

فلماذا هذا التجاهل في النشر الخاص بضحايا حوادث السير، مع العلم أن عدد ضحايا حوادث السير لا يمكن أن يُقاس بأي عدد آخر من الضحايا؟من المعلوم أن شفافية المعلومات المتعلقة بحوادث السير تعتبر إحدى ركائز السلامة الطرقية، وأنه في معظم البلدان، توجد جهة رسمية مختصة تقوم بشكل دوري – يوميا أو أسبوعيا – بنشر بيانات دقيقة وموثوقة عن حوادث السير تشمل:

1 ـ عدد الوفيات والإصابات، ونوعية تلك الإصابات ومدى خطورتها؛

2 ـ الأسباب المباشرة للحادث، والظروف المحيطة، وكل التفاصيل المتعلقة بطبيعته.

3 ـ موقع الحادث بالكلم، وزمن وقوعه بالساعة والدقيقة.

إن غياب مثل هذه الجهة في موريتانيا يفتح المجال أمام تضارب كبير في الأرقام والمعلومات، حيث يعتمد الناس على شهود عيان قد يبالغون في شهاداتهم، وقد تكون شهاداتهم ناقصة، أو غير دقيقة، وهو ما يؤدي في المحصلة النهائية إلى:

1 ـ التشويش على الرأي العام، والمبالغة في المعلومات المتداولة، أو عدم الدقة فيها على الأقل؛

2 ـ  غياب قاعدة بيانات حقيقية يمكن الاستناد إليها لوضع سياسات وخطط فعّالة للحد من حوادث السير؛

3 ـ  صعوبة تقييم أداء الأجهزة الأمنية والطبية في الاستجابة لحوادث السير؛

4 ـ  ضعف القدرة على التحليل الإحصائي لتحديد أهم أسباب حوادث السير، وترتيب تلك الأسباب بدقة، وكذلك تحديد النقاط السوداء في الطرق.

فعلى سبيل المثال، سُجّل يوم أمس حادث سير في قلب الغين توفي فيه أحد عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم)، نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته. عندما سمعت بهذا الحادث تذكرت أني سمعت قبله بعدة حوادث في نفس المكان، فوجدت من الضروري جمع معلومات عن الحوادث في هذه المنطقة، لكني لم أجد أي جهة يمكن اللجوء إليها لجمع تلك المعلومات.

إن وجود جهة رسمية لنشر المعلومات الضرورية عن حوادث السير سيحقق فوائد كثيرة في غاية الأهمية، لعلَّ من أهمها:

1 ـ  تحسين الوعي المجتمعي بخطورة الحوادث وأسبابها.

2 ـ  دعم اتخاذ القرارات المبنية على بيانات حقيقية، سواء من طرف الأجهزة الحكومية أو منظمات المجتمع المدني الفاعلة في المجال.

3 ـ  تسهيل العمل الإعلامي وتمكين الصحافة والمجتمع المدني من نشر المعلومات الصحيحة.

4 ـ  تعزيز الشفافية والمصداقية في التعاطي مع ملف حوادث السير.

إن إنشاء مرصد وطني لحوادث السير، أو تكليف إدارة رسمية حالية بهذه المهمة، أو إحالتها إلى منظمة مجتمع مدني فاعلة، سيكون خطوة مهمة قد تُساعد في الحد من حوادث السير، وبالتالي في إنقاذ الأرواح.

هذا المرصد يمكن أن يقدّم كذلك معلومات تحذيرية وإرشادية لسالكي الطرق، يتم تحديثها بشكل يومي، تُحَدِّدُ لهم الأماكن التي قد توجد بها ألسنة رملية أو حفر أو أشغال عامة، أو غير ذلك من المعلومات التي قد تساعدهم في جعل سفرهم آمنا.وبالمناسبة، فإن تقديم تلك المعلومات يمكن أن يتم عبر تطبيقات تقنية متاحة.

ونحن في الحملة قد عرضنا على وزارة التجهيز والنقل، ووزارة الرقمنة وعصرنة الإدارة، تطبيق "سلامتك"، وهو تطبيق من إعداد مهندس موريتاني تبرع به للحملة، والحملة عرضته بدورها على الجهات الحكومية والأمنية المعنية، ولكننا لم نتلقَّ ـ حتى الآن ـ أي رد إيجابي بخصوصه.

حفظ الله موريتانيا.

محمد الأمين الفاضل

[email protected]