
د. رامي عطا صديق
خلال الأيام القليلة الماضية ارتفعت حدة الهجوم على بعض مُستخدمى شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتحديد من يُطلق عليهم «بلوجرز» و«تيك توكرز»، ممن يُمثلون مجموعة من المؤثرين الجُدد،وصلت إلى حد تدخل أجهزة الشرطة وقيامها بالقبض على البعض منهم والتحقيق معهم، ومن بين أسباب الهجوم عليهم هو أن بعض هؤلاء خرج عن منظومة القيم والأخلاقيات المُتعارف عليها، حيث يُقدمون مضمونًا سطحيًا وتافهًا فى كثير من الأحيان، ويستخدمون ألفاظًا مُسيئة وإيحاءات غير لائقة، فى مستوى متدن، لا يعكس واقع وثقافة المجتمع المصري، ولا يُعبر عن القاعدة العامة من المصريين، فضلًا عن قيامهم بإطلاق شائعات وأخبار زائفة بصورة أحدثت بلبلة بين الناس.
وهم يحملون أسماءً غريبة، تجعلك تنفر منهم، ولكن على الرغم من ذلك فقد صار لهؤلاء دور غير قليل فى تشكيل وتوجيه اهتمامات الرأى العام، خاصة أنهم يلجأون إلى إنتاج محتوى من «الفيديوهات»، التى يستهدفون من ورائها جذب آلاف- وربما ملايين- المُتابعين، رغبة منهم فى تحقيق الثراء السهل والسريع، ما ظهر فى تكوينهم ثروة وممتلكات ومباهاتهم بذلك على الملأ، فضلًا عن اكتساب الصيت والشهرة، ما سبب إحباطًا لقطاع كبير من الشباب الذى يجتهد ويكافح ويعمل وينتج.
على أى حال فمن المُتفق عليه أن شبكات التواصل الاجتماعى ليست كلها شرًا، كما أنه ليس كلها خيرًا، فقد نجحت تلك التطبيقات عبر السنوات الماضية فى نقل صوت المواطنين للمسئولين فى كثير من المواقف والأحداث، وكشفت عن جرائم وحوادث،ونجحت فى مناقشة الكثير من القضايا الجادة والموضوعات المُهمة، وسلطت الضوء على مبادرات رائدة ومُفيدة، وقدمت نماذج مُلهمة فى كثير من المجالات، واستطاعت كسر حاجز المكان، حيث أصبحت فرصة للتواصل والمناقشة والحوار بين مستخدميها.
هذه المحاسن وغيرها، التى حملتها شبكات التواصل الاجتماعي، وإن لم يخل الأمر من بعض السلبيات والتحديات، تؤكد لنا أن المشكلة ليست فى مواقع»السوشيال ميديا»، ومنها فيسبوك ويوتيوب وتيك توك..، بما تحمله من إيجابيات ومزايا، وإنما تكمن المشكلة فى سوء الاستخدام وحالة الاستهتار من جانب البعض، خاصة أن شبكات التواصل الاجتماعى أصبحت مع الوقت مجالًا مفتوحًا وفضاءً واسعًا أمام من يمتلك هاتفًا محمولًا حديثًا، مُتصلًا بشبكة الإنترنت، وبسببها ظهر ما يُسمى بـ«صحافة المواطن»، حيث أصبح المواطن العادي، من غير الصحفيين والإعلاميين، شريكًا فى صناعة الرسالة الإعلامية، ولم يعد مُتلقيًا سلبيًا. فى هذا الإطار أطرح مجموعة من الأفكار والمقترحات التى قد تُسهم فى ضبط المشهد الخاص باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فى مجتمعنا المصري..
أولًا: التأكيد الدائم والمستمر على أهمية إعلاء المصلحة الوطنية التى تقتضى النزاهة والأمانة والصدق والدقة والموضوعية، عند نقل الأخبار وتداول المعلومات، ونشر الأفكار والآراء.
ثانيًا: إقرار مقرر «التربية الإعلامية»على طلاب المدارس والجامعات، من حيث توعية الأطفال والشباب بالاستخدام الآمن لمختلف وسائل الإعلام وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، ما يتطلب التدقيق فى متابعة المحتوى الإعلامي، وحسن الاختيار والانتقاء بين مضامين إعلامية كثيرة ومتنوعة، بالإضافة إلى تشجيع المشاركات الإعلامية الهادفة والمستنيرة والواعية.
ثالثًا: الحاجة إلى إعداد مدونة سلوك خاصة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، تراعى قيم المجتمع وأخلاقياته، وتتضمن الحقوق والواجبات، وأن تكون هذه المدونة مُعلنة أمام مُستخدمى تلك الوسائل، وهو أمر ليس صعبًا خاصة أن هناك الكثير من الأبحاث والكتابات التى قدمت جهودًا طيبة ومحمودة فى هذا الشأن.
رابعًا: التوعية بالمفهوم الصحيح للحرية، باعتبار أن المسئولية المجتمعية هى الوجه الآخر للحرية، وأنه لا حرية بدون مسئولية، فمن المُتفق عليه «أنك حر ما لم تضر»، وأن «حريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين»، وأن الحرية المسئولة تسهم فى بناء المجتمع وتحقق أهداف التنمية.
خامسًا: حث مُستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى على نقل إيجابيات المجتمع فى مختلف المجالات والقطاعات،من إنجازات ومبادرات، مع الإشارة إلى السلبيات والمعوقات فى إطار من النقد البناء الذى يستهدف علاج أى تقصيرواقتراح الحلول المبتكرة والإبداعية.
على هذا النحو يمكننا استخدام شبكات التواصل الاجتماعى فى الخير، مثلما يمكن استخدامها فى الشر أيضًا، ولكن يبقى السؤال أيهما يفوز، الخير أم الشر؟ والظن هنا أن المسألة تتطلب إرادة قوية لمواطنين يعملون من أجل الخير العام.