هذه هي هويتي: مقال رأي في مواجهة نخب التشظي!

جمعة, 2025-09-05 12:34

في خضم الحرب المستمرة التي تخوضها بعض نخب التشظي ضد الدولة الوطنية، وفي ظل محاولات متكررة منها لتقويض ثقافة المواطنة، يعود الجدل العقيم حول الهويات الضيقة ليطفو على السطح من جديد. هذا الجدل، الذي ما كان له أن يُفتح أصلا، لو أن بوصلة النقاش وُجهت نحو القضايا الجوهرية التي تستحق فعلًا نقاشًا جادًا ومعمقًا في هذه المرحلة.

ولعل ما يحدث حاليا في مالي، وانعكاساته المتوقعة على موريتانيا، هو إحدى تلك القضايا التي تستحق أن تُفتح حولها نقاشات وطنية مسؤولة.

ولأني لا أرغب في الانجرار إلى هذا الجدل العقيم، فقد ارتأيت أن أتناول سؤال الهوية من زاوية وطنية جامعة، بعيدا عن منطق التشظي والانقسام. فلتتشظَّ نخب التشظي ما شاء لها أن تتشظى، ولكن عليها أن تدرك أن المجتمع الموريتاني سيظل متماسكا، وأن صلات الأخوة والتضامن بين شرائحه وأعراقه ستبقى قوية، عصية على محاولات التشظي والتفكيك.إن هوية الموريتاني – يا نخب التشظي – لم تعد محل نقاش ولا مجال اجتهاد، أو هكذا يجب أن تكون، بعد أن حددها الدستور، الذي يُفترض فيه أنه الوثيقة القانونية الأسمى التي نحتكم إليها عند أي خلاف. وإذا كانت بعض مواد هذا الدستور لا تروق لكم، فلتسلكوا المسار القانوني لتعديلها، ولتحشدوا ما يكفي من النواب ومن أصوات المواطنين عند الاستفتاء الشعبي.

لكن المشكلة أن الشعب الموريتاني المتآخي لن يدعمكم في مسعى التفكيك والتشظي الذي تسعون إليه.لقد قال الدستور الموريتاني كلمته الفصل في هوية الموريتاني، أيا كان أصله أو نسبه أو عرقه: إنه مسلم، عربي، إفريقي.هكذا نصّت ديباجة الدستور، وأكدت مادته الخامسة أن الإسلام هو دين الشعب والدولة.ثم جاءت المادة السادسة لتقرر أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأن البولارية والسوننكية والولفية لغات وطنية، وموروث وطني مشترك لكل الموريتانيين دون استثناء، ويجب على الدولة باسم الجميع حفظه وتطويره.

إنه ترتيب بليغ؛ فحين نحسم دين الشعب ولغته حسما قويا صريحا غير قابل للتأويل، نكون قد حسمنا تقريبا هويته. والشعب الموريتاني هو شعب مسلم، لغته الرسمية هي العربية، وله لغات وطنية يجب أن تُحفظ وتُطوَّر باعتبارها موروثا مشتركًا لكل الموريتانيين.

وإذا أردتم الحديث عن جينات الموريتاني أو انتمائه الجغرافي، في إطار الحديث عن الهوية الوطنية، فستجدون أن الدستور قد حسم ذلك أيضا في ديباجته، معتبرا أن الشعب الموريتاني شعب عربي إفريقي. ولكم أن تضعوا نقطة نهاية هنا، فالانتماء الجيني والجغرافي للشعب الموريتاني قد حسم كذلك دستوريا، ولكم بعد وضع نقطة نهاية أن تنتقلوا إلى الفقرة التالية.

إن هوية الموريتاني قائمة على أربعة مرتكزات أساسية:

1. أنه مسلم، لا يجوز له دستوريا ولا شرعا أن يخرج عن دائرة الإسلام. فإن فعل، فقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين؛

2. أنه عربي إفريقي، فهويته تربطه جينيا وجغرافيا بالعرب والأفارقة؛

3. أن لغته الرسمية الوحيدة هي اللغة العربية، والتي يجب أن يتعامل معها كل موريتاني بصفتها لغته الرسمية، بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الشرائحي؛

4. أن لغاته الوطنية: البولارية، والسنونكية، والولفية، هي إرث مشترك لكل الموريتانيين، ويجب أن يتساوى في ذلك من كانت هذه اللغات لغته الأم ومن لم تكن لغته الأم.

هذه هي الأركان الأربعة للهوية الموريتانية، ولا خامس لها. هذه هي مرتكزات هويتي الشخصية، وهوية خمسة ملايين موريتاني، قد تزيد أو تنقص وفق الإحصاءات. ومن يزعم غير ذلك، فقد خالف الدستور، وجانب الحقيقة، وضاع في متاهات التشظي والهويات الضيقة.

إن الموريتاني لا يحق له – شرعا – أن يخرج عن دين الإسلام، ولا يجوز له أن يدَّعي لبلده انتماءً خارج الدائرة العربية والفضاء الإفريقي، ولا يُستساغ منه – لغويا – أن يُفضّل أي لغة على لغة بلده الرسمية، والتي هي أيضا لغة دينه، مما يزيد من مقامها ويرفعها مكانا عليّا. ولا يُستساغ منه كذلك أن يتأخر عن أي جهد لحفظ وتطوير لغاته الوطنية، باعتبارها موروثا وطنيا مشتركا لكل الموريتانيين.

وفي إطار النقاش الدائر حاليا، وفي محاولة بائسة من نخب التشظي لإبدال الهوية الوطنية الجامعة بهويات ضيقة فرعية، يجتهد البعض في البحث عن فوارق بين هذه المجموعة من المواطنين أو تلك، خدمة لمسعى التشظي والانقسام المجتمعي.

على هؤلاء أن يعلموا أن الدستور الموريتاني قد اعترف بالتنوع الثقافي، حين جاء في ديباجته:_"إن الشعب الموريتاني الذي توحده عبر التاريخ قيم أخلاقية وروحية مشتركة وطموح إلى مصير واحد، يعترف ويعلن تنوعه الثقافي الذي هو أساس وحدته الوطنية ولحمته الاجتماعية وما ينجر عنه من حق في الاختلاف.

وتشكل اللغة العربية، اللغة الرسمية للبلاد، واللغات الوطنية الأخرى: البولارية والسوننكية والولفية، كلٌّ في حد ذاتها، موروثا وطنيا مشتركا لجميع الموريتانيين، يجب على الدولة باسم الجميع أن تحفظه وتطوره."_تجتهد بعض نخب التشظي في البحث عن فوارق بين هذه المجموعة وتلك، لإحداث شرخ بينها، ولادّعاء أن لكل واحدة من المجموعتين هوية خاصة بها.

ومع أنني أكدت سابقا وجود هوية وطنية جامعة، إلا أنه لا يفوتني قبل أن أختم هذا المقال أن أشير إلى أن من يبحث عن فوارق بين أشقائه الذين ينحدرون معه من نفس الأب والأم، سيجد حتما فوارق كثيرة.

ويبقى السؤال: هل وجود تلك الفوارق يكفي لإخراج بعض أبناء الأسرة الواحدة من الانتماء لتلك الأسرة؟خلاصة القول: إن هذه المرتكزات الأربع التي تضمنها المقال هي مرتكزات هويتي، وهوية كل موريتاني، شاء ذلك أم أبى.والسلام على من لا يتعصب لزيف الأهواء، ولا يجادل في الحق حين يأتيه ساطعا، مكتوبا بمداد ديباجة دستوره، ونصوص مواده الصريحة.حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين الفاضل

 [email protected]