
لأول مرة منذ انطلاقة المسار الديمقراطي والتعددية الحزبية في موريتانيا، يتوحّد الطيف السياسي — موالاةً ومعارضةً — حول قضية وطنية جامعة هي محاربة الفساد، وذلك على خلفية التقرير الأخير الصادر عن محكمة الحسابات، الذي كشف عن تجاوزات واختلالات خطيرة في تسيير المال العام.
إن هذا الإجماع يشكل منعطفًا تاريخيًا في الحياة السياسية، ورسالة أمل تؤكد أن الإرادة الوطنية قادرة على تجاوز الانقسامات عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن العليا. ومن الضروري أن تتحول هذه اللحظة إلى مسار دائم، يُبنى على خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها، هي: الوحدة الوطنية، والوحدة الترابية، ومحاربة العنصرية والفساد والتهميش.
فالقضايا الكبرى التي تمس كيان الأمة واستقرارها يجب أن تكون محل توافق دائم بين جميع القوى السياسية والمثقفين وقادة الرأي، عبر تحصينها فكريًا ومجتمعيًا، والذود عنها أمام كل محاولات التشكيك أو التسييس أو الاستغلال.
غير أن محاربة الفساد يجب أن تكون مهمة الجميع، دولةً ومجتمعًا، لكنها لكي تكون ناجعة وذات مصداقية، ينبغي أن تتم عبر المؤسسات المخولة قانونًا، وفي إطار احترام الإجراءات القانونية ذات الصلة. أما التعميم والتضخيم
والشعبوية وتأليب الرأي العام، فلا يخدم مكافحة الفساد، بل يخدم مصالح المفسدين أنفسهم، من خلال خلط الأوراق وتغييب منطق القانون والدليل.
ومن ثبُت تورطه في أي فعل فساد، فعليه أن يُعاقَب وفق القانون، وأن يُلزم بردّ ما نهب، وأن يُبعَد عن أي موقع للمسؤولية؛ فذلك هو التطبيق الحازم والعادل للقانون الذي يرسخ الثقة ويُعيد للدولة هيبتها.
لقد عبّر فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد الشيخ الغزواني، ورئيس الحكومة السيد المختار أجاي، عن إرادة صادقة في مواجهة الفساد ومحاسبة المتورطين، وهو توجه يستحق الدعم والمساندة من جميع الوطنيين. فمحاربة الفساد ليست حملة مؤقتة، بل معركة مصيرية ضد طرق التفكير القديمة التي تعرقل الإصلاح وتُهدد الثقة في الدولة ومؤسساتها.
إنّ هذه اللحظة تمثل فرصة ثمينة لبناء عقد اجتماعي جديد، يقوم على العدل والشفافية والمساءلة، ويؤسس لنهضة وطنية تسودها المواطنة المتساوية والكرامة للجميع.
محمد نوح الطالب فزّاز
وزير سابق