
على غير عادة الرؤساء والسياسيين، يحرص فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على تدوين أفكاره في قصاصات ورقية، يقرأ منها بلغة حسانية ممزوجة بعربية فصحى؛ هذا الأسلوب يجنبُه مطبّات الارتجال والتحدث من فراغ، كما يفعل كثير من الساسة عادة. حملت مفكرات الرئيس، طيلة أيام الزيارة، أرقامًا وإحصائيات دقيقة عن حجم المشاريع والإنجازات التي تحققت للبلاد، وأخرى في طريقها إلى الإنجاز؛ وسيطر فخامته، دون مجاملة أو مبالغة، على المشهد الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى بات الناس ينتظرون ما ستحمله كل محطة من محطات الزيارة.
التنمية تبدأ من أعماق الوطن..على طول الطريق الرابط بين مطار النعمة ومنصة المهرجان، كانت حشود الجماهير تستقبل الرئيس بالحفاوة والترحاب، ولم يخيّب ظنهم؛ إذ أعلن من عاصمة ولايتهم عن رصد أكثر من 260 مليار أوقية للاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والزراعة والطرق؛ وتشمل البرامج أكثر من 6600 فصل دراسي، و400 منشأة صحية، و1300 مشروع مائي، إلى جانب استفادة 480 تجمعًا من الكهرباء، و3200 تدخل زراعي، وتكوين مهني لـ 27 ألف شاب.الحرب على الرجعية والقبلية..
تُوّجت زيارة الحوض الشرقي بقرار تاريخي شجاع، يقضي بوضع حد نهائي للاستخدامات البشعة للقبلية والفئوية؛ وقد شكّل خطاب "انبيكة لحواش" نقطة تحول جوهرية في مسار الزيارة، وتلقّاه المواطنون بالرضا والتثمين، وحظي بتغطية واسعة من الصحافة والمدونين والمؤثرين ؛ بدا وكأن الناس تنفست الصعداء من وضعية شوهت دولة المواطنة وهددت النسيج الاجتماعي.
الأمن والدبلوماسية ..على الحدود المشتعلة منذ أكثر منذ خمس سنوات، ركز فخامة الرئيس على تمرير رسائل دبلوماسية عميقة الدلالة وحكيمة التوقيت؛ شرح بإسهاب ما يجب على المواطنين فعله في مثل هذه الظروف، خصوصًا أولئك الذين ينتجعون داخل الأراضي المالية أو يمارسون التجارة ، موضحًا أن جارنا في حرب، وعلينا أن نتفهم ظروفه ونصفح عن زلاته، ولا ننسى أنه شقيق لنا؛ ثم طرح تساؤلات دبلوماسية مهمة: هل إذا كان أشقاؤنا في حرب يعني ذلك أنهم لم يعودوا أشقاءنا؟ ، وهل يمكن للدول المتجاورة أن ترحل عن بعضها؟؛ رسائل اتسمت بالكياسة والاعتدال وعقل الدولة.
يعرف العالم، كما يعرف الجوار القريب والبعيد، أن بلادنا ـ لله الحمد ـ هي الدولة الوحيدة في منطقة الساحل التي تقف على قدميها دون مساعدة من أحد، وتبسط سيطرتها الكاملة على أراضيها؛ بفضل مقاربة أمنية أصبحت نموذجًا ومرجعًا، وبفضل يقظة قواتنا المسلحة وقوات أمننا، ورؤية قادتنا.
الحكامة والحوار ومحاربة الفساد..
تحدث الرئيس بصراحة ووضوح: نحن هنا لتنفيذ برنامج انتخابي وتعهدات قطعتها على نفسي للشعب الموريتاني، وأعمل بفريق متماسك لا وجود فيه لصراع أجنحة أو طموحات سابقة لأوانها، ومن يفعل ذلك فقد أضر نفسه الآن وغدًا؛ وهي رسالة قوية من رئيس يفضل الصمت والعمل على الكلام والأضواء.
نعم؛ ديمقراطيتنا تحتاج إلى الحوار وتقييم أداء مؤسساتها؛ لذلك حرص فخامته منذ وصوله إلى السلطة على نهج تشاركي مع المعارضة والموالاة، وفتح أبواب القصر أمامهم، واستمع لأفكارهم؛ واليوم يدعوهم لحوار حول القضايا الوطنية الكبرى، فالحوار هو المعمل الحقيقي لإنضاج الأفكار.
وقد قدم الرئيس لأول مرة أرقامًا حول الفساد، مؤكّدًا أن القضاء يتابع 70 شخصًا في 10 ملفات فساد، مفصّلًا في ذلك بدقة؛ وهي رسالة صارمة للمتربصين بالمال العام، مشيرًا إلى أنه لن يحتمي مفسد بعلاقة سياسية أو اجتماعية أو شخصية، ولن يُستهدف أحد بتصفية حسابات.المشهد الختامي..
صيحة سيدة وسط حشود المستقبلين في "مقاطعة جكني" ، صاحت سيدة: (أريد حج بيت الله الحرام ). ومن على صهوة سيارة مسرعة، ضبط الرئيس ملامحها ولوّح لها : أبشري هذا يوم سعدك العظيم، ثم أرسل من يسجل بياناتها تلبية لطلبها بالحج إلى بيت الله الحرام.
هذه اللمسة الإنسانية طبعت مسار الرئيس منذ توليه الحكم، وتعكس طبيعة شخصيته.
وتفتح سؤالًا مهمًا: كيف ضبط ملامح سيدة وسط آلاف المستقبلين ..؟!إنه رئيس يلتقط أدق التفاصيل ولا ينسى أحدًا؛ والشاهد على ذلك تذكره لمعاناة سكان "مقاطعة تيشيت" مع الطريق الوعرة ، وإشادته بصبرهم وتجلدهم رغم عاديات الزمن.
عبد الله ولد زاگه
.jpg)

