
تعيش موريتانيا هذه الأيام حالة من السجال الافتراضي بين مكوناتها الاجتماعية، يظهر في منصات التواصل الاجتماعي، ويأخذ أحيانًا طابعًا حساسًا بين من يطالب بما يسميه "حقوقًا مسلوبة"، وبين من يراه تجسيدًا للعنصرية المقيتة. ومهما اختلفت التسميات، فإن الواقع يشير إلى أن هذا النوع من الخطاب يمثل خطرًا حقيقيًا على وحدة البلاد، وهي الركيزة الأساسية لأي استقرار أو تقدم.
لقد أثبت التاريخ أن إحياء النعرات القبلية، والجهوية، أو الفئوية لا يؤدي إلا إلى التشرذم والدمار. فبلدان كانت تنعم بالأمن والاستقرار، تحولت إلى ساحات للفوضى بسبب الخطابات التي مزّقت نسيجها المجتمعي. وفي المقابل، فإن العدالة والمساواة واحترام القانون هي ما تضمن لكل صاحب حق أن يناله، دون حاجة إلى خطاب التفرقة أو التجييش.
وفي هذا السياق، يُعتبر الحوار الوطني الذي دعا إليه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني فرصة تاريخية لا يجب التفريط فيها. إنه السبيل الأمثل لجلوس جميع الفرقاء السياسيين، والمجتمع المدني، والحقوقيين — خاصة المستقلين منهم — على طاولة واحدة، لطرح كل الإشكالات والمقترحات في جو من المسؤولية والاحترام.
إنّ التخلف عن هذا الحوار يُعد تضييعًا لفرصة وطنية تمثل مصلحة عليا. ومن يختار الغياب أو العرقلة، فهو إما غير مهتم بهذه المصلحة، أو يعمل ضمن أجندة لا تخدم الوطن، حتى وإن رفع شعارات الديمقراطية والحقوقوالعدالة والمساواة.
كما أن خطاب رئيس الجمهورية الذي فتح الباب لهذا الحوار، يُعد دعوة صادقة لإشراك الجميع في صنع القرار الوطني، وترسيخ ديمقراطية حقيقية تُنصف الجميع، وتوحّد الجميع، وتقود البلاد نحو مستقبل مزدهر وآمن.
وعليه، فإن التمسك بهذه الفرصة، والمشاركة الفاعلة، وطرح الآراء البناءة، ليس فقط واجبًا وطنيًا، بل هو أيضًا مسؤولية تاريخية في لحظة حساسة من عمر الوطن.
إن موريتانيا اليوم بحاجة إلى تغليب صوت العقل على الصخب، وصوت الحوار على التفرقة، والعمل الجاد على بناء دولة يتساوى فيها الجميع، وتُصان فيها الحقوق، وتتحقق فيها التنمية بعدل واستقرار
فلنتمسك بفرصة الحوار، ولنجعلها منصة لصياغة مستقبل يليق بهذا الشعب الطيب المتنوع، والذي يوحده الإسلام ويضمن موريتانيا موحدة، ديمقراطية، وآمنة للجميع كما تسع الجميع.
شيخنا الامام


