ناجي ظاهر: القارئ المثالي

اثنين, 2025-12-15 21:25

لماذا يقرأ الكاتب الكتاب تلو الكتاب ومع هذا يواصل دون ملل أو كلل؟.. سؤال طالما طرحه كتّاب ومثقفون على أنفسهم، لا سيما اذا كانوا مهووسين بالكتاب وعوالمه الرحيبة أمثالنا.

وما هو الدور التي تؤديه وتقوم به القراءة في العملية الإبداعية.. اختلفت الآراء في الإجابة عن هذا السؤال الاشكالي، فمن الكتّاب وهؤلاء قلة، مَن ذهب إلى أن الكاتب يُفترض ألا يقرأ الكتب بادعاء أن المواضيع المفترض معالجتها في الكتابة الإبداعية لا تتجاوز الثلاثة والثلاثين موضوعًا أساسيًا، كما رأى الكاتب الفرنسي ذائع الصيت جورج سيمنون مبتكر شخصية المفتش ميجرييه، ومنهم أيضًا،  الكاتب الإنجليزي كونان دويل مبتكر شخصية المحقّق المشهور في شتى بقاع العالم وأقصد به شرلوك هولمز، فقد صرّح/ دويل أكثر من مرة أنه لا يقرأ كتابات الآخرين خشية التأثر بها!!، اما الكاتب الأمريكي البارز ارسكين كالدول صاحب “قطعة ارض الله الصغيرة”، فقد قسّم المبدعين الادبيين إلى قرّاء وكتّاب وقال في سيرته الذاتية “سمها خبرة”، إنه اختار أن يكون كاتبًا وليس قارئًا..، في المقابل لهؤلاء ذهب معظم الكتاب المبدعين في العالمين العربي والاجنبي إلى أهمية القراءة في شحن بطارية الكاتب للدخول إلى مملكة الابداع الادبي بخطى ثابتة، حتى أن عددًا من الدارسين الباحثين ذهبوا إلى أنه يوجد داخل كل قارئ جاد مشروع لكاتب مبدع.

أكثر من هذا ذهب كُتّاب منهم المرحومان عباس محمود العقاد وفاروق مواسي إلى أن الكاتب القارئ تحديدًا، إنما يقرأ ليمد حياته بشحنات أخرى من الحياة والحيوية، وقد ردّد العديد من الكتاب ضمن الإجابة عن سؤال حول القراءة والاقبال الشديد عليها، إلى القول إن كل كِتاب جديد هو حياة جديدة تضاف إلى حياتي.. وأكد هؤلاء أنهم إنما يقرؤون الكتب لأنهم يحبون الحياة ويريدون عيشها بعدد الكتب الجيّدة التي يقرؤونها، قالوا هذا مؤكدين أنهم يقرؤون الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيهم!

مَن يُطالع سير الكتّاب والادباء المبدعين سيلاحظ دون بذل الكثير من الجهد، أنهم إنما جاءوا إلى عالم الابداع الادبي بعد أن قرأوا هذا الكتاب أو ذاك، أو بعد أن قضوا أوقاتًا طيبةً في مكتبات خلفها آباؤهم، أجدادهم أو أقارب لهم وراءهم، لتتحوّل بالتالي إلى منارة تفتح أمامهم أبوابًا مُغلّقة طالما أحبوا فتحها والدخول إلى مرابعها الفينانة الغنّاء.

بالعودة إلى سؤال القراءة وأهميتها بالنسبة للكاتب المبدع، أرى أن الكاتب، المعاصر خاصة، إنما يقرأ بنهم للعديد من الأسباب، فهو يقرأ للتثقف، والاضافة الإبداعية المتوقعة منه، كما يقرأ للاطلاع على تجارب ثقافية أدبية إنسانية، من المفترض أن تُشكّل سلسلةً متواصلة الحلقات وهو ذاته يود من جُماع قلبه، يريد ويسعى بكل ما لديه من جُهد وقوة لأن يكون واحدة من تلك الحلقات الرائعة في السلسلة الأدبية الإبداعية، سلسلة الذهب والالماس التي تعتبر جزءًا من الابداعات العالمية المميزة.