
ابرهيم موعد
على أية حال ، ما أزال حيّاً أُرزق ، وأن لي بيتاً وزوجة وأولاداً .
وإن كنت لا أعتني بملبسي كثيراً ، ولا أغرق جسمي بالعطر ، فأني ذوّاقة للطعام .
وأحبّ الأوقات لديّ ، إغماض عينيّ لكسر النعاس ، حيث أرى غمامة برتقالية ، سرعان ما تنقلب الى غمامة سوداء ، ربما لنفاد ما تبقّى في عينيّ من ضوء .
ثم أرى باخرة تكاد مقدمتها تشق رصيف الميناء ، لأرى تالياً ، شجرة نخيل تنوء بأقراط التمر الحمراء .
أطمئن كثيراً حين يفسّرون لي الأمر بأني أحب فصل الشتاء ، وأعشق السفر ، وأكل التمر كل صباح .
إلّا أني أتنّبه لصراخ زوجتي على الأولاد الذين لا يكلّون عن إحداث الصخب في أرجاء البيت . فأتبرّم وأقصد المقهى .
هنالك ، أطلب قهوة ،واتناول مع الأصدقاء الأوضاع كشح المياه، وانقطاع الكهرباء ، ونكد الزوجات رغم أنه لا تستقيم الحياة من دونهن ، من غير أن نلعب الورق أو دق زهر .
وعندما أعود الى البيت ، تكون زوجتي وأولادي غارقين في متعة النوم .
وبلا مبرر ، لا أصعد الى غرفتي ، فأتكوّر في الكنبة ، ويدهمني النوم .أرى رجلاً أظنّه نفسي رغم أنه لا يشبهني على الإطلاق . أجده يكّد بالحفر في الرمال .
أسأله : لماذا ؟
يجيب : هو قبرك يا صديقي .
لكني لم أمت بعد .
اقتربت الساعة …لكن لم ينشق القمر !لا ترتعد .
دنا الأجل .
إذا كان الأمر كذلك ، أرجو أن توسّع القبر .
على الرحب والسعة .
كما أرجو أن تفرشه بسعف النخيل .
طلب مُجاب .
كما أرجو أن ترشّه بالماء كل صباح .
همهم الرجل موافقاً .
نزلت طوعاً الى القبر ، بعدما وعد الرجل بتنفيذ توصياتي بحذافيرها .
إلّا أني طلبت منه أن لا يغمر وجهي بالرمل .
فإنتفض قائلاً : تلك إذن ، ميتة ناقصة .
لم يلبث أن أهال عليّ كامل الرمال ، وانصرف .
كنت على وشك الإختناق ، لولا أن يدي أعانتني على الخروج .
فسّروا لي الأمر ، فقالوا : عمر جديد ، كُتب لك .قلت بحسرة : مهما يكن ، العمر محدد ، سلفاً .


