
تساءلت دراسة تحليلية استشرافية نشرها للتو المركز المغاربي للدراسات الاستيراتيجية «عما إذا كان الوضع الراهن لموريتانيا، والذي يتسم عموما بالهشاشة البنيوية للوظائف الحيوية الأساسية للدولة وبضعف الأداء الاقتصادي والمالي لمؤسساتها بشكل عام، سيسمح لها بالاضطلاع بعبء مواجهة عسكرية مع القاعدة في المغرب الإسلامي».
وتزامن نشر هذه الدراسة مع توسيع الحكومة الفرنسية لوجودها العسكري المكافح للإرهاب في الساحل عبر عملية «برخان» التي تعد لها وزارة الدفاع الفرنسية حاليا بمشاركة عسكرية من عدة دول بينها موريتانيا.
أسئلة محيرة
وتساءلت الدراسة التي أعدها محمد السالك ولد إبراهيم كبير باحثي المركز الموريتاني لأبحاث التنمية والمستقبل، تحت عنوان «الحرب المستحيلة: موريتانيا ضد القاعدة»، «عما «إذا كانت مواجهة النظام الموريتاني للقاعدة هي نوع من ترحيل الأزمات الداخلية نحو رصيد المشاكل الخارجية إلى حين، أم هو ببساطة نوع من الهروب إلى الأمام».
السيطرة على مصادر الطاقة
وأكد الباحث في مقدمة الدراسة «أن القوى الإقليمية والدولية المختلفة تسعى لوضع يدها على منطقة الساحل الإفريقي بالغة الأهمية الإستراتيجية من أجل أن تكون لها الكلمة الفصل في تحديد مستقبل استقرار المنطقة في السنوات العشر القادمة فضلا عن تأمين السيطرة على الطريق الغربي للنفط وعلى المواقع الجديدة لاحتياطيات الطاقة المكتشفة مؤخرا في المنطقة.»
وطرح الباحث إشكالية مفادها الاستفهام عما إذا كانت المواجهة، التي اتسمت حتى الآن بالكر والفر بين موريتانيا وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ستتحول إلى حرب شاملة مفتوحة، على ضوء التطورات العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة بعد العمليات التي قام بها الجيش الموريتاني ضد معسكرات للقاعدة داخل أراضي مالي المجاورة».
خطة محكمة أم ردة فعل
وطرح سؤالا كبيرا حول «ما إذا كنت الحكومة الموريتانية مستندة في هذه المواجهة إلى إستراتيجية محكمة، أم أن قرارها كان مجرد ردة فعل عفوية أو تكتيكا غير محسوب»، مضيفا «ثم، هل تمتلك الدولة الموريتانية، إمكانيات ووسائل حقيقية لضمان كسب رهان المواجهة المحتملة مع القاعدة؟ أم سيقتصر دور موريتانيا فقط على إشعال فتيل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل من أجل تدويل الملف وتبرير تدخل عسكري دولي كما حدث في أفغانستان قبل عشر سنوات؟».
وأضاف الباحث في تحليلاته قائلا «ألا تخشى الحكومة الموريتانية أن تضعف المواجهة مع القاعدة البلاد أكثر، لتتحول مجددا إلى ساحة مضطربة للتجاذبات الإقليمية بدل التفكير في إيجاد حلول متوازنة، عقلانية وفعّالة للتعامل مع تعقيدات الموقف الحالي و تداعياته المستقبلية؟».
انعدام هيكلية أمنية فعالة
وبعد أن قدم جملة من المعطيات عن الواقع الموريتاني، أكد الباحث «أن تشخيص الوضعية الإستراتيجية لموريتانيا تظهر أنها تعاني من اختلال بنيوي حقيقي يتمثل في عدم وجود هيكلة تنظيمية ناضجة وجادة للأمن والدفاع القومي من شأنها أن تكون قادرة حقا على التعامل مع التحديات التي تواجهها موريتانيا اليوم، أحرى أن تكون قادرة على تحقيق نصر يذكر في مواجهة عسكرية محتملة مع تنظيم القاعدة الذي أعيا القوى الدولية العظمى و كبدها خسائر بآلاف المليارات من الدولارات في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها».
موريتانيا ليست كجاراتها
وخلص الباحث إلى «أن موريتانيا ليست كالبلدان المجاورة الأخرى، وتختلف وضعيتها عن شقيقتيها الجارتين المغرب والجزائر، التي تمتلك عدة خيارات متاحة في مجال التعاطي مع موضوع الإرهاب والجريمة المنظمة من بينها الخيار الأمني لمواجهة القاعدة أو غيرها، أما بالنسبة لموريتانيا، فسواء مع أو بدون تهديدات القاعدة، لا تمتلك في الوقت الراهن خيارا أمنيا ناضجا ضد أي تهديد أمني واقع أو محتمل أيا كان مصدره».
عجز في الرد الفوري على التهديدات
وخلص الباحث للجزم بأن «القدرات العسكرية الموريتانية الحالية عاجزة عن الاستجابة الفورية لتهديدات أمنية جدية وخطيرة مهما كان مصدرها، تستهدف وجود الدولة الوطنية الموريتانية في الصميم كالجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار غير المشروع بالممنوعات والهجرة السرية وغيرها لأن هذه القدرات، حسب الدراسة، لم تحظ حتى الآن بالاهتمام السياسي النوعي المطلوب، طيلة الخمسين سنة الماضية.» «أما في ظل التطورات الجيوستراتيجية الجارية، يضيف، فيتحتم على النخب السياسية وعلى صناع القرار في موريتانيا مواجهة هذا الواقع الإستراتيجي بشجاعة أدبية وصدق مع النفس ومع الرأي العام الوطني الذي ينتظر منهم ذلك، فالبلاد لا تمتلك حتى الآن عقيدة وطنية راسخة للأمن القومي، أحرى أن تتوفر على إستراتيجية متكاملة «للأمن البشري» مدعمة بخطط عمل للتنفيذ وبجاهزية عالية على مستوى الأفراد والوسائل».
غموض في المفهوم الأمني
وأضاف «لقد ظل مفهوم «الأمن الوطني» في موريتانيا جامدا وغامضا وسلبيا في كثير من الأحيان، كما أن التوظيفات السياسوية للممارسات الأمنية على أرض الواقع قد قادت البلاد فيما مضى إلى شتى صنوف التجاوزات والتعسف، وخلفت سمعة سيئة في المخيال الجماعي لدى الأهالي، وهو ما أدى إلى أن تظل هياكل ووظائف الدولة المتصلة بالقطاع الأمني مختزلة في نواتها القمعية بعيدا عن هدف تنمية قدرات وخبرات أمنية حقيقية يستفيد منها الوطن و يضمن بها استقراره و يصون بها كرامة مواطنيه بين الشعوب والأمم.»
لا مصلحة في التحالف الأمني ضد الإرهاب
وحذر الباحث الموريتاني من «أن تدفع هذه الحقائق المرة لواقع السياسات الأمنية والدفاعية في موريتانيا، بأي حال من الأحوال، الحكومة الحالية أو أية حكومة أخرى قد تأتي بعدها، فلا مصلحة لموريتانيا في التورط مع أي ائتلاف أمني عسكري تحت ذريعة الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، ولا يمكن لمثل تلك القرارات المغامرة أن تكون من الحكمة ولا من الرشاد في شيء، بل، لقد ثبت فشلها في أنحاء عديدة من العالم وجلبت الخراب والدمار للبلاد والعباد في الصومال، وأفغانستان، والعراق».
إعادة صياغة السياسات الأمنية
وفي جانب الاقتراحات من الدراسة، أضاف قائلا «لقد حان الوقت لأن تتغير النظرة الضيقة للأمن وللدفاع في موريتانيا، المحصورة تقليديا في أمن السلطة الحاكمة وأمن الإقليم الترابي على حساب الاهتمام بأمن البشر أو المواطنين العاديين في ظل دولة القانون»، وهو ما يستوجب، حسب الدراسة، التركيز على سياسات عمومية أولوياتها الأمن البشري أي أمن المواطن أولا و قبل كل شيء».
نحو سياسات واقعية
«وعلى كل حال، يضيف الباحث، إذا لم تكن لدى الحكومة الموريتانية الإمكانيات اللازمة لتحقيق سياساتها في المجال الأمني والعسكري في الوقت الراهن، فلن يعيبها أن تتبنى سياسات تتناسب مع إمكانياتها، أما الشعب الموريتاني الطيب، الذي احتفل بالذكرى الثانية والخمسين لنيل الاستقلال الوطني من نير المستعمر الغاشم، فله أن لا ينسى أبدا الفارق الجوهري بين رجل السياسة ورجل الدولة، فبينما يفكر الأول فقط في مصيره في الانتخابات القادمة، يفكر الأخير دائما في مصير الأجيال القادمة»
متابعة: عبد الله مولود- نواكشوط - «القدس العربي»